الخميس، مايو 29، 2008

طفل الخامسة

ظلام دامس وجوٌ تشبثت ذرات الماء به خوفا من الصمت الناطق من كل زاوية من الخطر السير ليلا في مدينة فلسطينية فأي عقل أملكه لأخرج في هكذا ليلة ؟ أأترك منزلي واختار أن أترنح في أزقة رفح البائسة من أجل صور لمشردين أغبياء .. تبا لهذه الصناديق والنفايات القذرة و رائحتها المزعجة ألم يعد أحد يجمعها ؟ هبت نسمة قصيرة حملت رائحة غريبة خانقة حادة كرائحة الموت .. المقرفة حين أشتمها في جنائز الفقراء ! تتبعت الرائحة و اقتربت من بوابة صدئة انظر إلى الداخل ما هذا.. قبر جماعي ! أموات مقرفصون وأموات يتحدثون وأموات يسرون ..يكتسيهم الرماد والكثير من الأشباح الصغار التي تتحرك في كل مكان رفعت كمرتي التقط صور للِخيام المتكدسة بجوار بعضها البعض بلا فسحة بينها والطحالب التي بنت لنفسها عرشا على خيام هؤلاء الـ ..المساكين وألتقط أخرى لعجائز يتوسدون الحجر وربما يموتون عليه صورا ليست بغريبة عن أعيننا نحن كصحافييوا حرب لكن بتأكيد هي غريبة على البعض الذيـن لم تطِر القنابل يوماً فوق منازلهم وغريبة عن الذيــ... تبا هناك حركة قربي .. عدت للوراء مجفلا .. اجتاح أطرفي الاربعة رعب حقيقي ربما هناك جنود يهود يحومون حول الملجأ – المقبرة –وربما أحد المقاومين من أبناء رفح وملابس بسترتي الجلدية و بنطالي المنشأ لا تساعدني لأكون مع أحد الطرفين.. أحاول إظهار بطاقتي الصحفية،متماسكا أعصابي بصعوبة كاتما صرخة ارتفعت من أقدامي ووصلت إلى طبلة أذني

انتظرت تقدم أحدهم أو رصاصة تمرق من بين عيني لكن لاشيء يحدث حثني فضول الصحافي لأقتربت بهدوء من مصدر الصوت بدل أن أفرذ هاربا حامدا ربي للفرصة التي لن تتكرر ، هه إنه طفلٌ ربما في الخامسة..!

شعر طويل قليلا حالك السواد ملامحه أشبه ما تكون بالقمر لولا ضمور في خديه ويدان تخربش بهدوء شديد على الأرض هناك هالة من الحزن على الصغير لم أستطع تجاهلها والعودة إلى وسط المدينة مكتفيا بما إلتقطت من الصور له لم يشعر بدنوي منه أو شعر ولم يأبه .. - لمَ مازلت صاحيا يا صغير؟ - .... .. . - رسمتك تبدو ..كحصان .. - كلب - حسنا .. تبدو ككلب أمام منزل جميل.. .. يأكل الكثير من الطعام - أمي . - أمك ؟؟ - الكلب ..الكلب يأكل أمي .. ...ويضربني ..يرمي النار على أبي .. أنـ..ــا .. .. أخذ يئن بصمت ودمعات على خديه جرت مسرعة تعرف طريقها أردت حينها العودة من حيث أتيت إلى ذاك الزقاق الجانبي بلطف ظلامه وجمال رائحته وصناديقه الكبيرة، إلى منزلي ..

إلى عالم لا يبكي فيه الأطفال بهذا الحقد والألم بدأ يطرق الأرض حتى ظننتها أرجفت من ضرباته فناديته ،حاولت تهدئته و إنه لا يسمع صوتي أمسكت يديه.. ضمني بقوة بدأ يبكي ويبكي حتى نام متشبثا بي .. لم اعد أشعر بما حولي فجأة جَمد فكري وشل منطقي السليم فقط اعلم أنني أسير كرجل أبله يتعلق به طفل صغير

أخرجه بلا تصريح من مقبرة تسمى ملجأ في شوارع مدينة بدأ النهار يتسلل إليها.

ليست هناك تعليقات: